في خضم المشاهد الرائعة، نجد أنفسنا سواء كنّا محبين للتصوير أو محترفين به نسارع لإخراج الكاميرا وتوثيق المنظر رغبةً بأسر جماله في إطار الصورة أو طمعاً باسترجاع المشاعر التي بعثها في أنفسنا، لكن كثيراً ما نكتشف أنّ هذا التذكار ثنائيّ الأبعاد يبدو مثل نسخةٍ مقلّدةٍ صينيّة لإحدى الأعمال الفنيّة… ونقف حائرين ما السبب؟ قد يكون الفنّ عصيّ على الترويض إلّا أنّه حتماً ليس اعتباطيّاً، للصورة الناجحة قواعد التصوير أساسيّة تقف خلفها، وهي التكوين في التصوير، بمعرفتها ووضعها في الحسبان نعدك أن تلتقط صورةً ترضيك في كل مرّة.
:قاعدة الثلث
تحمل معظم أجهزة المحمول الحديثة خيار “الشبكة” في تطبيق الكاميرا، وهو يعتبر معيناً كبيراً لتطبيق التكوين في التصوير التي تعتمد على تقطيع المشهد بوساطة خطين أفقيين وخطين عاموديين يقسمان الصورة إلى تسع مربعات متساوية تتقاطع في أربع نقاط تنجذب لها عينا المشاهد بشكل تلقائي، ولهذا تنصحك القاعدة بوضع هدفك أو أهم عناصر المشهد على أحد الخطوط أو إحدى النقاط.
عند تطبيق هذه القاعدة على صور البورتريه يفضل تطابق نقاط التقاطع مع مركز العينين، أمّا عند تطبيقها على مشهد طبيعي ننصح بمطابقة خط الأفق مع أحد الخطوط الأفقيّة لتقسيم اللاندسكيب لمشهد متناسق.
:تمركز الهدف
ربما يقوم أغلبنا بهذا التكنيك بشكل لا إرادي سواء كنا نعرف قواعد التصوير أو لا، حيث نجعل الغرض أو الشخص محط الاهتمام في منتصف المشهد، وغالباً ما نعزله عن باقي العناصر ليستأثر باللقطة، في حال التقاط صور شخصيّة قد لا ترغب بتوسيط الوجه كليّاً كي لا تبدو كصور الوثائق الرسميّة.
:التأطير
ليس على الإطار أن يكون مجرّد مربع تقليدي من أربعة أضلاع مستقيمة! قد يكون أي شيء، ثقب المفتاح، نافذة الجيران، أغصان الأشجار المتلاحمة أو حتى الخاتم الذي تلبسه في إصبعك، تستطيع تسييس ما تجده أمامك بالقليل من الابتكار.
:الخلفيّة من جنس العمل
لقد ولّى عهد الخلفيّات الملوّنة، أو المغبّشة باستخدام أدوات التشويش أو التنعيم، بدلاً من ذلك تستطيع جعل السماء خلفيّتك، أو خلق نمط متكرر الإيقاع لا يشتت الناظر عن الهدف، مثل جدار من الطوب أو شبك متصالب.
:القياس البشري
اعتاد الناس قديماً اتباع أحد قواعد التصوير المختصّة بالقياس عبر تصوير أشخاص قرب الأشياء لإظهار مدى حجمها بالمقارنة مع الإنسان العادي، مثلاً مزارع بجانب أكبر ثمرة بطيخ في المدينة، تستطيع استخدام هذا التكنيك لإظهار هول جبل ما أو ناطحة سحاب أو تصوير بحّار على قارب صغير في خضم بحيرة واسعة كما يمكنك فعل ذلك مع الحيوانات أو الأغراض الشائعة.
:الخطوط الموجّهة
تستطيع لفت نظر المشاهد للنقطة المرغوبة من المشهد بشكل تلقائي عبر اتّباع الخطوط الموجّهة الموجودة بشكل طبيعي في البيئة، كأدراج السلالم أو خطوط لحاء الشجر، كل ما عليك هو أن تجدها أولاً من حولك. هل بإمكانك أن تحزر ما هي الخطوط الموجّهة في هذا المشهد؟
:التجاور
قد تكون أقرب الأشياء لبعضها أشدّها اختلافاً، وهذا ما يمتّع العين ويثيرها، مثل الطبيعة بجانب المدينة، الفقر بجانب الغنى أو النعومة بجانب القسوة، عندما نفكّر بهذا البند من قواعد التكوين نستحضر إلى الأذهان جلسات تصوير السيارات القديمة في طرق المدن الكبيرة، أو عارضات الازياء المرتدين ملابساً عصريّة في أماكن تاريخيّة قديمة.
:التباين
أكثر الصور الملفتة هي التي تحوي اختلافاً بارزاً ما بين الضوء والظلام، نعومة ملمس بعض الأشياء مقارنةً بقساوة غيرها، أو الحدّة الشديدة، ليبرز عنصر على حساب آخر.
إلّا أنّ الكثيرين يقعون في خطأ المبالغة بتعديل الصورة عند رغبتهم بتحقيق التكوين في التصوير ما يجعلها تبدو وكأنها محترقة، كهذه الصورة.
زاوية التصوير:
بإمكان تغيير بسيط في زاوية تموضع الكاميرا إحداث فرق هائل في الصورة الناتجة، فما يتم تصويره من الأعلى يبدو بريئاً وضعيفاً (كصور الأطفال) ، أما ما يتم تصويره من الأسفل يبدو مهولاً وقويّاً (كصور الأبطال الخارقين)، وقد توضع الكاميرا في زاوية مائلة مخلّةً بتوازن اللقطة وكاسراً لبعض قواعد التصوير إلّا أنّه قد يكون هو المقصود لدى المصور رغبةً ببعث انعدام الراحة لدى المشاهد أو التشويق (كأفلام الآكشن).
قاعدة العدد الفردي:
على عكس التناظر، تجذب الصور التي تحوي عدداً فرديّاً من الأشياءً عيني المشاهد، لأن الناظر حينها لن يقوم بتقسيم العناصر بشكل لا إرادي بحثاً عن الهدف، بل سينظر إلى اللقطة على أنها طبيعيّة ومريحة، بالطبع إن كان العدد كبيراً فلا حاجة لك لأن تقلق حياله فلا أحد سيدرك عدد سرب من الأسماك مثلاً! بل سيترجمها الدماغ على أنها كثيرة وحسب.
الإطار المليء:
من أحب قواعد التكوين إلى قلبي فهي تظهر دقّة وجمال بعض الأشياء بعيداً عن العالم المحيط بها لتستأثر بكامل اللقطة ، لكن حذار من جعل الصورة مزدحمة بوضع الكثير من العناصر.
المساحات الواسعة:
وقد يطلق عليها أيضاً اسم المساحات السلبيّة وهي المناطق الغير مستثمرة من اللقطة، كرمال الشاطئ، السماء، أو الجزء الفارغ من لوحةٍ ما، على عكس الصور التي تذخر بالتفاصيل، توحي الصور التي تحتوي مساحاتٍ سلبيّة للناظر بإحساس الحريّة أو الانفتاح كما تدغدغ فضوله في حال وجود عنصر متحرك كحيوان أو طائرة.
نظرية الألوان:
يستعين معظم الفنانون بنظريّة الألوان للحصول على مشهد مريح للعين، عن طريق ترتيب الألوان المتلائمة قرب بعضها، أو وضع ألوان متناقضة لجذب المشاهد، تقترح النظريّة أنّ الألوان المتقابلة على عجلة الألوان تتماشى مع بعضها، وأنّ الألوان الباردة توحي بالهدوء والاستقرار في حين توحي الألوان الحارّة بالحركة والصخب.
كما يمكن إبراز لون صارخ عند تصوير المنتجات أو الأشياء الجامدة لمنحها ديناميكيّة وعصريّة.
الحركة:
الكاميرا تأسر اللحظة، لكن ما الذي يحصل بعدها؟ تستطيع بإضافة الحركة لمشهدك تطبيق التكوين في التصوير و تحريض فضول الناظر ليحزر ما الذي سيحصل تالياً، إلى أين ستذهب هذه الشخصيّات؟ لتحصل على هذا التشويق عليك بترك مساحة كافية للعناصر لتعبّر عن تحركاتها.
النسبة الذهبيّة:
هل مازلت مستمرّاً في القراءة؟ تمسّك قليلاً بعد كدنا ننتهي، أخيراً وليس آخراً النسبة الذهبيّة؛ هي قاعدة تكوين تسبق اختراع الكاميرا، وتمّ استعمالها في العديد من الأعمال التاريخيّة من الموناليزا وصولاً إلى الأهرامات المصريّة. قدمها لنا عالم الرياضيّات ليوناردو فيبوناتشي عبر ترتيب عدّة ارقام لخلق متتالية 1.618.
لا تدع الأرقام تثير توتّرك أنا ايضاً لست من محبّي الرياضيّات، في الحقيقة هناك طرق بسيطة لجعل صورك متوافقة مع النسبة الذهبيّة ونقلها من لقطة جيّدة إلى ممتازة.
شبكة فاي:
على غرار قاعدة الثلث التي تستخدم شبكة متناظرة، إلا أنّ الشبكة هنا تظهر على الشكل الآتي، جاعلةً الهدف في المنتصف محط تركيز أعلى.
لولب فيبوناتشي:
باعتبار أن المربع هو إطار الصورة، بإمكاننا تخيّل لولب شبيه بصدفة الحلزون يتجه نحو النقطة المرغوبة، كثيراً ما يظهر لولب فيبوناتشي في الطبيعة، كلّ ما عليك هو أن تمنحه انتباهاً أكثر.
صحيح أن القواعد تعتبر معيناً كبيراً خلال التصوير، إلا أنّها خلقت لكي تكسر! حتى العظيم بابلو بيكاسو قال “تعلم القواعد كمحترف، كي تكسرها كفنّان”، بعد التدرب الكافي على التكوين في التصوير تستطيع خلق لمستك الخاصّة عبر التقاط صور غير اعتياديّة تعبّر عن اسلوبك، ومن يعلم ربّما خلق قواعد تكوين جديدة.